"موجة حارة".. مسلسل ملىء بالأحداث والعلاقات المتشابكة التى تعكس واقعا أكثر مرارة

غاب الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بجسده، ولكن يظل إبداعه وروحه من حولنا، ليس فقط فيما قدمه من أعمال درامية وسينمائية ومسرحية هامة، ولكن أيضا فى إبداعه الأدبى «قصة منخفض الهند الموسمى» والحاضرة بقوة فى دراما رمضان 2013 وهى القصة التى حولتها كاتبة السيناريو مريم ناعوم ومعها ورشة سيناريو تضم كلا من نادين شمس، ووائل حمدى، وإسلام أدهم، وهالة الزغندى، ونجلاء الحدينى وعمرو الدالى، إلى مسلسل متميز بعنوان «موجة حارة»، الذى لفت الأنظار ليس لأهمية وجرأة النص، ولكن أيضا لأمانة كتاب العمل وتميز الصورة البصرية للمخرج الموهوب محمد ياسين، وقدرته على اختيار نجوم العمل وتوظيفهم بكل ما يخدم الحالة الفنية التى يناقشها المسلسل.

يرصد العمل حال المجتمع المصرى، والفساد المتغلغل فى كافة المؤسسات، من خلال قصة تبدو للوهلة الأولى بوليسية، تحمل قدرا من الإثارة والتشويق ولكن من خلال التفاصيل التى يتم غزلها والشخصيات شديدة الحيوية التى تتحرك أمامنا طوال الأحداث وبعضها يحمل أطيافا وظلا لشخصيات عاصرناها وقضايا مازال صداها يدوى فى الآذان، فنحن أمام شخصية ضابط بمباحث الآداب «سيد العجاتى» يجسده بحرفية إياد نصار، يحقق فى جريمة قتل لفتاة سيئة السمعة، وسيد متجهم طوال الوقت، شديد البأس، ويتحرك كأن بينه وبين حمادة غزلان يجسده بعبقرية -سيد رجب- حمادة يعمل قوادا وبالطبع يملك دائرة علاقات مرعبة فى كافة الأوساط، نرى سيد العجاتى، ورغبته الشديدة فى الإيقاع بحمادة، ومع توالى الحلقات تتكشف دائرة العلاقات ونستطيع أن نفهم سر توتر العلاقة بين الضابط والقواد، ونتعرف إلى طبيعة علاقات كل منهما بعائلته، ونجد سيد محبطا فى زواجه وغير قادر على الإنجاب، لا يسبب سوى التعاسة لزوجته شاهندة تجسدها -رانيا يوسف- رغم أن زواجهما جاء بعد قصة حب وتحد، ونفهم أن رانيا تنتمى لشريحة اجتماعية أعلى من سيد فهى ابنة جاردن سيتى وهو ابن السيدة زينب، تفصل بينهما شوارع ولكن كل منهم ينتمى لعادات وطريقة تربية مختلفة؟

يملك كتاب السيناريو فى موجة حارة تلك الحرفية التى تجعل المشاهد يفكر ويتساءل حول طبيعة المشاهد واللقطات، وأيضا تجعله فى حالة تشويق لانتظار ما ستسفر عنه الحلقات من مفاجآت، والتى تتكشف تفصيلة تفصيلة، حيث تتضح لنا أن والدة شاهندة كانت من سيدات المجتمع اللائى ينظمن حفلات بانتظام لصفوة المجتمع وهى الحفلات التى كان يحضرها حمادة غزلان ويمارس عمله فى القوادة ليس ذلك فقط بل أنه كان يحاول أن يقرب بين شاهندة ورجل أعمال -يجسده العبقرى أحمد حلاوة- ضاغطا على والدتها والتى بدورها تمارس ضغطا أكبر على ابنتها فهى بالنسبة لها بضاعة تحاول بيعها والكسب من ورائها، إلا أن شاهندة تنتصر لسيد الضابط البسيط ابن البلد، وتختاره بعد قصة حب، ولكن هواجس سيد لا تفارقه خصوصا بعد أن لمح «شاهى» ذات مرة تركب سيارة حمادة غزلان، وتتكشف المفاجآت أكثر.

عندما نكتشف أن سيد جار حمادة فى السيدة.. وأن سيد يعرف زوجته الأولى إجلال التى تجسدها بتميز هالة فاخر، وتربطه صداقة بسمير ابنه الشاب ويعرف ابنته أيضا، وإجلال لا تتوقف عن زيارة والدة سيد العجاتى فى المنزل -تجسدها معالى زايد- وتقرأ لها الفنجان دائما.
علاقات كاشفة وبثراء العلاقات المبنية فى المسلسل وتداخلها نجد أن هذه العلاقات تكشف وتعرى الكثير من المجتمع المصرى فى طبقاته المختلفة وشرائحه الاجتماعية المتنوعة ما بين عالم سيد ضابط الآداب وأصدقائه فى مباحث الآداب وعلاقته بزوجته الشديدة التركيب، مشاهد خلافاتهما وضربهما لبعضهما البعض ثم كيف يرتميان فى حضن بعضهما، ومجتمع السيدة زينب بتفاصيله عائلة سيد والدته المرأة المصرية الأصيلة، والتى تعيش لأبنائها وعلى ذكرى وفاة ابنها الأكبر لذلك تصر على رفض زواج ابنها الأصغر يجسده رمزى لينر من جارتهم التى تجسدها رحمة، وذلك لان ابنها الراحل كان معجب بها.

مشاهد أصيلة لطبيعة شخصية الأم المصرية واهتمامها بأبنائها وانكفائها على حزنها، وصلاتها القوية بجيرانها فهى ملجأ لهم، وعلاقة حمادة غزلان والذى يعانى انفصالا واضحا عن علاقته ببيئته فى السيدة زينب وكيف أنه كان يرغب فى المتاجرة حتى بشرف زوجته وأم أولاده حين اصطحب رجل خليجى إلى منزله، ورد فعلها عندما ضربت الرجل وطردت زوجها من المنزل، ومن العلاقات المرسومة بدقة وحرفية عالية، تلك العلاقة بين حمادة غزلان ووالدته -تجسدها الرائعة والقديرة عايدة عبدالعزيز- وكيف تحتويه يجلسان معا لتناول الحشيش، هى تقبله بكل عيوبه وطبيعة مهنته وعمله كقواد وتراقبه حتى فى علاقته بزوجته الجديدة والتى تصغره بكثير نوسة -تجسدها هنا شيحا- وكيف يحاول سيد أن يحمى أولاده رغم أن مهنته هى الاتجار فى لحم البشر وكيف تحاول أم سيد أن تجعله قويا ولا ينكسر، ومن أجمل المشاهد التى جمعت بينهما مشهد عودة حمادة من الحجز بعد أن طلبه سيد العجاتى ليحاصره بأسئلته حول القتيلة، والتى يثق سيد أن حمادة هو المتسبب فى قتلها، وقيام سيد بأمر العساكر بتعذيب حمادة، وإهانته فى رجولته وتصويره بكاميرا الموبايل، فى تلك اللحظة.. والوحيدة التى استطاع حمادة أن يحكى لها ويبكى بين يديها هى أمه.
نص أبرز قدرات نجومه
أجاد محمد ياسين توظيف كافة العناصر الفنية بالعمل، وأدار ممثليه بحرفية عالية، خصوصا أن العمل يضم العديد من المشاهد الجريئة، وأيضا طبيعة الموضوعات،والتناقضات فى شخصية القواد، والذى سيدفع الثمن بالتأكيد من لحمه -أقصد أبنائه - ويكشف أيضا تجار الدين ومن يتلونون ويتاجرون باسم الله والرسول ويطلقون الفتاوى على مزاجهم وأهواء أصحاب المصالح من خلال شخصية سعد العجاتى يجسدها باقتدار فؤاد البيومى، «موجة حارة «من أهم الأعمال التى تعرض فى رمضان، وسيكون واحدا من أهم الأعمال فى تاريخ الدراما المصرية على الإطلاق ليس لأنه يحمل أسماء نجوم كبار تم توظيفهم بشكل يؤسر العقل والقلب حيث تجلت مواهب الكثيرين منهم ويضم عناصر فنية متميزة، ولكن لأنه يحمل بصمة أسامة أنور عكاشة تلك البصمة القادرة على رصد تناقض الشخصية المصرية، وتناقض المجتمع وتوغل الفساد إلى درجة إفساد الروح فى أحيان كثيرة ، تلك التركيبة الدرامية شديدة الثراء والتنوع هى ما أتاحت بالطبع لهؤلاء النجوم حالة التألق التى يظهرون بها من خلال أحداث العمل، رانيا يوسف، إياد نصار عايدة عبدالعزيز، صبا مبارك، مدحت صالح سيد رجب هالة فاخر وهنا شيحا درة وغيرهم من شاركوا فى إنجاز العمل.